مظلومة يا لغتي

إنه لمن المخجل حقًا أن تجهل لغتك الأم لتكون ضليعًا في غيرها، ترى أهذا حقًا ما بات يعتقده العرب ويشعرون به؟ للأسف فقد ظُلمت العربية في حاضرنا كما حاول البعض ظلمها في الماضي، ورغم أنها انتصرت فيما مضى وظلت باقية قويةً لسنينًا أخرى إلا أنها اليوم تعاني الأمرين من عرب يتنصلون منها وهي بمثابة الأم لهم.
فاللغة ليست فقط جزء من ثقافة الشعوب وإنما هي ركيزة من ركائزها التي لا تقوم إلا عليها ، وكلما زاد التمسك بها ازدادت قوة وترسخت أكثر فأكثر، فلماذا إذن كان للعربية قديمًا شان كبير؟ لأن علماء المسلمين فيما مضى ومفكريهم حين تركوا تراثهم تركوه عربيًا، فكان كل من طلب العلم تعلمها أو ترجمها، وكانوا يفخرون بأنهم عرب ويتفاخرون بإجادتهم للعربية وفصاحتهم، واليوم ازدادت قوة الإنجليزية التي باتت لغة دولية لأن علماء الغرب ومفكريهم أيضًا سجلوا انتاجهم إنجليزيًا، ولكن المؤسف أن العرب لم يواكبوا التقدم ويسيروا على نهج علماء االتاريخ الذين أضاؤوا للغرب طريقه للعلم يومًا، ولم يكتفوا بذلك بل نبذوا حتى لغتهم الأم، فالكثير جدًا من الكتب والأبحاث القيمة غير مترجمة ولكي يفيد منها الشخص لابد له من إجادة الإنجليزية التي أصبحت هي مفتاح العلم والمعرفة وعلى حساب من؟ على حساب اللغة الأم لنا كعرب، وازدادت الصورة قتامة إذ بدأ ابناء العروبة ينحدرون على سلم العربية ليصعدوا على سلم الإنجليزية، ويتهافتون على اللغة الأجنبية مقابل نبذ العربية بشكل يقترب من الجرم في حق اللغة التي شرفت بالقرآن، وحتى على شبكة الإنترنت فلا توجد جهود فعلية لتسجيل الكتب والتراث العربي والمترجمات بالمجان كما هو الحال في الكثير من المواقع الأجنبية، والموجود جهود اكثرها فردي لإدخال الكتب مثلاً، وفي مقابل كثرة مواقع الأغاني والترفيه والمنتديات العربية توجد ندرة في المواقع الجادة والموسوعات الإلكترونية، لأن العرب ليس لهم وجود حقيقي وفعال على شبكة الإنترنت، فنصيب العرب والعربية قليل جدًا.
واليوم وللأسف نجد ضعاف العربية في كل مكان، شباب يجدون صعوبة في الصياغة بالفصحى، ولقد رأيت ذلك بنفسي في الحرم الجامعي وفي الكليات النظرية للأسف، طلاب يحفظون المعلومات نصًا لأنهم لو فقدوا النص ولو سهوًا لن يتمكنوا من إعادة صياغة المعنى بالفصحى، وأساتذة يلقون المحاضرات بالعامية، وآخرون إن حاولوا التحدث بالفصحى جاءت جملهم متكسرة على صخرة العامية، والأستاذ الذي يتمكن من إلقاء محاضراته بالفصحى يصبح غريبًا بينهم، بل والأدهى أن الطلاب يشعرون أن أسلوبه صعب الفهم، هذا فقط لأنه يتحدث الفصحى.
ومع خلل التعليم وتردي مستوى الجامعات العربية ازدادت الرغبة في التعليم الأجنبي، وبدت المدارس الأجنبية ومن بعدها الجامعات هدف الآباء والأمهات لأنهم يرغبون في أن يحصل ابناؤهم على تعليم أفضل ، وكل ذلك على حساب لغتهم لدرجة أنني سألت فتاه تجاوزت الثانية عشر من عمرها عن معنى كلمة art عندما كانت ترددها فتحيرت وقالت : "رسم" هذا وهي تروي عن حصة التربية الفنية في مدرستها، حتى اسم الحصة بالعربية بالنسبة لها مجهول وبحاجة لبحث وتفكير، رأيت أيضًا أطفالًا في الصفوف الأولى لا يعرفون كتابة الأرقام بالعربية وفي المقابل يجيدون الكتابة والقراءة والحساب بالأنجليزية، حقيقة واقع مخزي.
بالنسبة لي فإنني أشعر بخجل شديد إن ارتكبت خطأ لغويًا وأنا اكتب بالفصحى ولو كان سهوًا والأمر لو كان جهلاً مني، وصحيح أن العربية ذات قواعد كثيرة ولكن ليست عسيرة لدرجة الجهل التام بها، والعيب كل العيب أن تكون عربيًا يكسر المبتدأ ويفتح الخبر ويجر اسم كان ويفتح المضارع ويجهل حروف الجر، فاين أنت من لغتك العربية؟
أن تجهل الإنجليزية أهون من أن تجهل العربية، فلا يصل المرء أصدقاءه على حساب عق والديه، ولكن صل الأقرب أولاً وأحسن إلى الجميع.