أقف عندك...هضرب فى المليان..!

المكان كله محاصر...مفيش فايده من الهرب..

كل هذه الجمل الشهيره, و التى اعتدنا سماعها من خلال افلامنا العربيه منذ نشات صناعه السينما فى بلدنا الحبيب..
ولا اخفيكم سرا ..كثيرا ما كنت اشعر بالملل و انا اشاهد تكرار نفس الجمل و الكلمات على لسان اشخاص مختلفيين,
يلعبون دور الضابط بالتبادل فى الافلام..حتى انه فى بعض الاحيان كان يبدو و كان هناك جدول مرتب بين الممثلين لتبادل
لعب دور الضابط فيما بينهم..!

و لكن السمات الغالبه على هذا الدور, و بغض النظر عن من يلعبه..لا تتغير..
فالضابط هو ذلك الرجل المنضبط, الملتزم, المهذب, الذى يطارد الاشرار كى يحمى المجتمع من شرورهم,
و مع هذا فهو لا ينجرف وراء المجرمين او يجاريهم فى اساليبهم القذره, فنجده فى نهايه الفيلم يطارد المجرم بغيه القاء
القبض عليه حيا, و لا يلجأ لاستخدام سلاحه الا فى حاله الضروره القصوى.
فاذا ما اضطر لاستخدامه, فانه يحذره اولا بمثل تلك الجمل السابق ذكرها, و اذا ما استخدمه فهو يطلقه على الاقدام
او الايدى كى لا يقتله.

تلك كانت هى الصوره التى طالما رسمتها لنا السينما فى افلامنا القديمه, و هو شكل ان دل فهو يدل على منظومه
القيم و الاخلاق التى كانت تسود تلك الحقبه الزمنيه..
فهم يرفضون فكره ان يقتل الضابط المجرم على الرغم من كل الافعال التى يرتكبها المجرم طوال احداث الفيلم, من قتل,
و سرقه, ...الخ.. الا انهم لا ينكرون عليه حقه فى الحصول على المحاكمه العادله اولا و من ثم ياتى القصاص.

ثم تطورت الصوره قليلا, فظهرت نوعيه جديده من الضباط فى افلامنا , فى حقبه زمنيه جديده..
فبدأنا نرى صوره الضابط شرس الطباع, الذى ينفذ اوامر رؤسائه بغض النظر عن اى اعتبارات اخلاقيه ..دون ادنى تفكير..
و بدأ يظهر مصطلح جديد..زوار الفجر.. تلك الفئه من الضباط الذين اشتهروا بارتداء النظارات السوداء الشهيره..
و الشخص تعيس الحظ الذى يحظى بزياره منهم , يختفى عن العالم , و يذهب الى المعتقلات حيث يرى شتى انواع العذاب..
فاما ان ينصاع لاوامرهم فينال العفو, او يعند معهم , فيهلك..!
تلك الصوره التى ميزت عده افلام فى حقبه زمنيه معينه, قد غيرت و لاول مره المفهوم القديم عن الضباط..و بدأنا و لاول
مره نرى جانب جديد يظهر لهذه الشخصيه..جانب الشراسه.

ثم استمرت الصوره فى التغيير, و بدأت حقبه زمنيه جديده , و معها ظهرت نوعيه جديده من الضباط فى افلامنا..
الضابط الفاسد..!
نعم , هكذا ببساطه..! تحول جذرى فى الشخصيه عن الصوره الاولى..و فيها يظهر الضابط الباحث عن الثراء السريع, و المكاسب
الماديه الكبيره..فنجده يتقاضى رشاوى من المجرمين و المهربيين كى يسهل لهم اعمالهم غير المشروعه, بل و اكثر من هذا..
فهو يتولى حمايتهم فى حال تعرضوا للخطر..!
تغير تام فى مبادئ و قيم تلك الشخصيه, تعكس لنا فى ذات الوقت شكل المجتمع فى تلك الحقبه, و تكشف لنا عن جانب
جديد اضيف لشخصيه الضابط.

ثم مرت الايام , و مع حقبه زمنيه جديده ظهرت لنا صوره جديده اكثر بشاعه..
صوره الضابط المجرم..!

ففى افلام تلك الحقبه بدأت ترسم ملامح جديده لهذه الشخصيه..فظهرت لها ميول اجراميه, و بدأنا نرى الضابط الذى يتزعم
عصابه من خلف الستار..
يالها من صوره مذهله..!!
هل رأيتم كيف انقلب الحال و تغيير عبر السنين؟!..
هل رأيتم كيف اصبح حامى القانون هو اول من يخرقه؟!..

ان السينما هى صوره المجتمع..و الافلام التى تقدم فى فتره ما , انما تعكس بوضوح منظومه القيم بداخل المجتمع فى تلك
الفتره..و بالتالى فان هذا التغيير الرهيب الذى طرأ على صوره الضابط فى الافلام , انما هو انعكاس للواقع و ما اصاب المجتمع
من خلل فى منظومه المبادئ و القيم, فتحول الضابط من مطارد لللصوص..الى شريك لهم.
انه تطبيق عملى للمثل الشعبى الشهير..حاميها حراميها..
لقد انقلبت الايه تماما, و لم يعد هناك حد فاصل ظاهر بين الطيب و الشرير..لم يعد بامكانك ان تثق انك ستجد الحمايه فى
قسم الشرطه, فقد تجد هناك بدايه الهلاك.
هكذا نرى مدى الحيره و التخبط اللتان يشعر بهما الناس فى زماننا هذا..الكل اصبح يخشى و يرتاب و لا يثق و لا يشعر بالامان..
هذا بالطبع امر متوقع , اذا ما نظرنا الى الفارق الشاسع بين الصوره الاولى و الصوره الاخيره...بين الضابط الذى يحذر المجرم قبل
ان يطلق الرصاص كى لا يضطر لقتله, و بين الضابط زعيم العصابه, و التى يكون باقى اعضائها فى الغالب من الساده أمناء الشرطه
و المخبريين..!

و يبدو اننا الان على اعتاب ظهور صوره جديده للضابط..خاصه بزماننا هذا..
الضابط السادى..
و ان كانت الافلام لم تتناول بعد هذه الصوره, نظرا لبشاعتها, الا انها موجوده و مسجله من خلال وقائع مكتوبه و مرئيه ايضا,
و ان كانت من خلال كاميرات هواتف المحمول فقط..
راينا صوره جديده لضباط يجدون المتعه اثناء نوبات خدمتهم الليليه فى احضار متهم من الحجز و تناوب ضربه و صفعه بمنتهى
القسوه و الوحشيه, و ذلك لأجل المتعه..! بل تبلغ بيهم الساديه ان يقوموا بتسجيل هذا على كاميرات هواتفهم و نشرها..!!!

رأينا ضباط يعتدون على حرمه الانسان و ينتهكون عرضه و يقتلون رجولته..!!
بل على ايديهم عادت محاولات الانسان ان يطير دون اجنحه, فبدأنا نسمع عن مواطنين يقفزون من نوافذ أقسام الشرطه,
و الله و حده يعلم ان كانوا يقفزون أم يلقى بهم منها...!!!

ان هذه الصوره الجديده لهى الابشع بين كل الصور على مر العصور و اشدهم خطرا..
اصبح المواطن الان يخرج من بيته, و لا يعلم ما ان كان سيعود لبيته سليما معافى, ام لا..
و الغريب ان السبب فى هذا هم الاشخاص المنوطين بحمايه امن المواطنين, و السهر على راحتهم..!!!
لم يعد المواطن يخشى على نفسه خطر اللصوص فقط, بل اصبح يخشى على نفسه اكثر من رجال الشرطه..حماه الوطن سابقا..!!

و بينما نحن فى انتظار كيف ستقدم السينما هذه الصوره الجديده..اشعر بحنين جارف لمشاهده افلامنا القديمه, و الاستمتاع
بكل تلك الجمل المكرره فيه..و التى افتقدناها فى واقعنا القاس الذى لم يعد فيه مجال للمتعه او للشعور بالامان..

ادعوا الله ان يعيننا على ما اصابنا, فسبحانه هو الذى امرنا الا نيأس من رحمته.
و نحن لن ندع اليأس يتسرب الى قلوبنا على الرغم من قتامه الصوره حولنا, لكن لابد ان نتمسك بالامل فى ان نغيير ما بنا, فيصلح الله حالنا...

و ربما اسعدنا حظنا و نعود من جديد لسماع جمله